لسوء الحظ، يفشل العديد في ابتكار التشكيلة المناسبة من القيم الجوهرية لعلامتهم التجارية، لماذا يحدث ذلك؟ فمن خلال خبرتنا، إن السبب يكمن في السياسة والخوف (نحن نرجح الخيار الثاني والذي تسبب به الخيار الأول). دائماً ما يكون هناك رائد أعمال في الأعمال التأسيسية الحديثة والذي يمثل القائد الطموح ويتحمل مسؤولية العلامة التجارية، وبوجوده سيكون هناك القليل من السياسة والخوف من سير الأمور بشكل خاطئ – فهناك الكثير للعبث به والقليل للمخاطرة به – حيث النية الطيبة والمحاولات الشجاعة موجودة دائماً. ولكن ما ستجده دائماً في كل مكان عمل هو عالم من السياسة والتصادم بين الأقسام ومدرائها إضافة إلى الخوف الشديد من القيام بالخطوة الخاطئة. وفي المكان الذي يسوده الخوف من المخاطرة والأشخاص الذين لا يحبذونها، فالرهان على العمل الجماعي هو الحل الأفضل، فلم نسمع يوماً بشخص طرد من عمله بسبب تفضيله العمل الجماعي على الفردي، حتى وإن كان العمل الجماعي لا يعتبر من القيم الجوهرية التي من الممكن أن تخلق بيئة عمل فريدة من نوعها.

في معظم بيئات العمل يصبح تطوير جوهر العلامة التجارية شيئاً طبيعياً. حيث بإمكانك استبدال نظام القيم الجوهرية أو تعديله في بعض الشركات ولن يلحظ أحد ذلك. كيف أمكن لمثل تلك الأنظمة تبنّي شخصيات فريدة من نوعها وثقافة عمل تحوي أناس لديهم الرغبة في دعمها والانتماء إليها وجعلها جزءاً من شخصيتهم؟

لتحديد ثقافة ما، يجب على القيم الجوهرية أن تكون مختارة بعناية من قائمة طويلة حيث يتم تلخيصها إلى ثلاثة أو أربعة قيم جوهرية والتي تحمل الصفات الضرورية التي تلائم ثقافة الشركة وتعكس جوهرها. ولقليل من المتعة قمنا بالطلب من بعض العملاء بتخمين ماهية القيم الجوهرية للعلامة التجارية (ديزني) لنرى كيف أمكنها التطور عالمياً. أحد العملاء اقترح (الصفاء) و(المتعة) كقيم جوهرية لتلك العلامة التجارية، ولكن في الحقيقة هي قيمتان جوهريتان فقط وهي (النفعة) و(الخيال)!

على الرغم من وجود البعض ممن يشجبون فكرة وجود (النفعة) في استراتيجيات عمل (ديزني)، ولكن إن نظرت بشكل أدق على منتجاتها (الملاهي، والأعمال الحركية، والمبيعات، والأفلام، والرسوم المتحركة) ستجد أن تلك القيمتان الجوهريتان هما بالفعل صحيحتان وفي قمة الملائمة. لدى أحدى أقوى العلامات التجارية الترفيهية في العالم قيمتان جوهريتان فقط، فلا يوجد هناك أي شيء يتحدث عن (العمل الجماعي) أو (المسؤولية) أو (الابتكار) أو غيرها. فقط قيمتان جوهريتان يعمل بها الجميع في (ديزني) بدءاً من الرئيس التنفيذي الذي يبرم الاتفاقيات العالمية وحتى العامل الذي يحافظ على نظافة المكان.

هناك بعض العوامل التي جعلت من القيم الجوهرية تلك ذات كفاءة بالنسبة للعمل، حيث التزمت الشركة بالعمل تحت فلسفتها التخيلية الشخصية، وقامت بتبسيط قيمها إلى قيمتين إثنتين مناسبتين ومميزتين وجديرتين بالذكر. إن ذلك يعتبر أفضل من محاولة إقناع الناس بالعيش مع خمسة أو ستة قيم جوهرية أو أكثر. ولو أمعنت النظر لوجدت أن قيم (ديزني) الجوهرية توازن بعضها بعضاً، حيث يمكن (للخيال) بمفهومه الواسع أن يدل ولو بشكل بسيط على الأمور القذرة أو الفاحشة أو غيرها من الأمور البغيضة، ولكن تأتي القيمة الجوهرية (النفعة) لتصفية (الخيال) من كل ما يشوبه من الأمور السلبية وجعله صافياً يدل على الجمال والرقي والأفكار الأبوية الرائعة. وبالعكس، فلولا (الخيال) لأصبحت (النفعة) مجرد قيمة جوهرية مملة وبلا طعم. إن نظام القيم الجوهرية لدى (ديزني) يعمل بكفاءة لأن القيم توازن بعضها، فالتوازن مهم جداً لخلق ثقافة تدوم للأبد.

إن التعبير بالحروف عند وضع القيم الجوهرية مهم جداً، حيث لدى الكلمات قوى ساحرة ومؤثرة ويجب تسخيرها. إن القيم الجوهرية لعلامتنا (يونيسونو) هي (الإيمان) و(الشغف) و(الخيال)، فالكلمات الصحيحة مهمة لكسب المعاني بحذافيرها وتفاصيلها لجعلها تعكس طبيعة الثقافة للعلامة التجارية. تعتبر (يونسيونو) وكالة إبداعية واستراتيجية و(الخيال) يعتبر ضروري بالنسبة لنا، ومن الجدير بالذكر أن (الإيمان) هي القيمة الجوهرية التي تخجل منها العديد من الشركات، ولكن بالنسبة لنا، فقد كانت مناسبة أكثر من (الثقة) أو (المسؤولية). لدى الإيمان تشابه ظاهري في المعنى (للروحانية)، وبما أننا فريق إبداعي، فنحن غالباً ما نرسم الروحانية في أعمالنا، وقد أحسسنا بأن لدى الإيمان معنى عميق يعكسنا. كما أننا اخترنا (الشغف) لأسباب مماثلة، فالشغف يتم الاحساس به قلبياً أكثر من أية كلمة مرادفة في المعنى مثل الدينامية أو الحيوية.

كن متأكداً من تحديدك للقيم الجوهرية التي تمكنك من العيش من خلالها والتي تعتبر مبادئ حياتية، وليس تلك التي تمثل مبادئ التشغيل أو النتائج حيث يميل العديد لعدم التفريق بينها. إن المعاني مثل (العمل الجماعي) تزيّن غرف إجتماعات العديد من الشركات وأروقتها كقيمة جوهرية لها، ولكن في الحقيقة، هي ليست قيمة جوهرية، بل هي نتيجة مبدأ حياتي وهو (التعاون) أو أن تكون (متعاوناً). إن القيم الجوهرية هي طرق حياتية، فعلى سبيل المثال، يمكنك أن تعيش حياة (شغوفة) أو (صحية) أو (صادقة) ولكن لا يمكنك عيش حياة (العمل الجماعي).

لإيجاد القيم الجوهرية المناسبة لك، قم بعملية بحث حول قائمة من القيم الإنسانية الحقيقية، ومن هنا يمكنك البدء وفريقك بالعصف الذهني للموافقة على أي من تلك القيم تمثل جوهر شركتك، وبعد ذلك قم بتلخيصها وفرزها وإدراجها ضمن عدة أصناف وتلخيص كل صنف لتصل إلى الكلمة التي تمثل المبادئ الملائمة لثقافتك وفلسفة شركتك. توصل إلى أربعة قيم جوهرية أو أقل، جرّب أن تختار ثلاثة ومن ثم أثنتين، كن شجاعاً، كن متميزاً. إن القيم الجوهرية ذات الشخصية القوية ستساعدك حتماً بصقل ثقافة شركتك، ولا تنس أن تلك القيم الضعيفة والمملة لن تدعم جهودك أبداً في بناء ثقافة تعكس من أنت وما هي شركتك.

عند إيجادك لتلك القيم الجوهرية الصحيحة والمناسبة لك، عليك الآن أن تدمجها في علامتك التجارية، فسيتوجب ذكرها في الاجتماعات وجلسات تطوير المنتج والاستراتيجية، بالإضافة إلى الاجتماعات المتعلقة بالموارد البشرية وغيرها. إبدأ حلقات العصف الذهني باستخدامها، إسئل الأسئلة باستخدامها أيضاً. نحن لا نستخدم قيمنا في أمور الموارد البشرية فحسب بل وفي معرفة أي نوع من العملاء نحن على وشك العمل معه، فعند وجود عميل يحترم هدفك النبيل في العمل ويشاركك قيمك الجوهرية، يمكنك أن تكون مطمئناً بأن العمل معه سيكون على خير ما يرام والنتائج ستكون باهرة ومثمرة. وبنفس المبدأ، فعند قيامنا باختيار سوق معينة للتركيز عليها فنحن نستخدم قيمنا الجوهرية لتقود تفكيرنا في إيجاد المكان المناسب لنضع بصمتنا ونقوم بأكبر مساهمة بكل ما أوتينا من قوة.

القيم الجوهرية هي بمثابة الأساس الحيوي لأي ثقافة كانت، فإذا قمت بإيجاد القيم التي تلائم جوهرك الداخلي وحصرها وتلخيصها، فستنجح ببناء ثقافة متينة ومميزة تفرض نفسها بشخصيتها القوية ويدوم ذكرها للأبد.